03:18:20PM

  

سورة الطور

مرسلة بواسطة روح و ريحان يوم الاثنين 0 التعليقات


والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع .


لقسم للتأكيد وتحقيق الوعيد، ومناسبة الأمور المقسم بها للمقسم عليه أن هذه الأشياء المقسم بها من شئون بعثة موسى عليه السلام إلى فرعون وكان هلاك فرعون ومن معه من جراء تكذيبهم موسى عليه السلام .
والطور : الجبل باللغة السريانية قاله مجاهد . وأدخل في العربية وهو من الألفاظ المعربة الواقعة في القرآن .
وغلب علما على طور سيناء الذي ناجى فيه موسى عليه السلام ، وأنزل عليه فيه الألواح المشتملة على أصول شريعة التوراة .
فالقسم به باعتبار شرفه بنزول كلام الله فيه ونزول الألواح على موسى وفي ذكر الطور إشارة إلى تلك الألواح لأنها اشتهرت بذلك الجبل فسميت ( طور ) المعرب بتوراة .
وأما الجبل الذي خوطب فيه موسى من جانب الله فهو جبل حوريب ، واسمه في العربية ( الزبير ) ولعله بجانب الطور كما في قوله تعالى آنس من جانب الطور نارا ، وتقدم بيانه في سورة القصص ، وتقدم عند قوله تعالى ورفعنا فوقكم الطور في سورة البقرة .
والقسم بالطور توطئة للقسم بالتوراة التي أنزل أولها على موسى في جبل الطور .

والمراد ب كتاب مسطور في رق منشور التوراة كلها التي كتبها موسى عليه السلام بعد نزول الألواح ، وضمنها كل ما أوحى الله إليه مما أمر بتبليغه في مدة حياته إلى ساعات قليلة قبل وفاته . وهي الأسفار الأربعة المعروفة عند اليهود : سفر التكوين ، وسفر الخروج ، وسفر العدد ، وسفر التثنية ، وهي التي قال الله تعالى في شأنها : ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون في سورة الأعراف . وتنكير كتاب للتعظيم . وإجراء الوصفين عليه لتميزه بأنه كتاب مشرف مراد بقاؤه مأمور بقراءته إذ المسطور هو المكتوب .

والسطر : كتابة طويلة ؛ لأنها تجعل سطورا ، أي : صفوفا من الكتابة قال تعالى: وما يسطرون ، أي : يكتبون 


والرق : ( بفتح الراء بعدها قاف مشددة ) الصحيفة تتخذ من جلد مرقق أبيض ليكتب عليه . وقد جمعها المتلمس في قوله :
فكأنما هي من تقادم عهدها رق أتيح كتابها مسطور
والمنشور : المبسوط غير المطوي قال يزيد ابن الطثرية :

صحائف عندي للعتاب طويتها       ستنشر يوما ما والعتاب يطول

 أي : أقسم بحال نشره لقراءته وهي أشرف أحواله ؛ لأنها حالة حصول الاهتداء به للقارئ والسامع .
وكان اليهود يكتبون التوراة في رقروق ملصق بعضها ببعض أو مخيط بعضها ببعض ، فتصير قطعة واحدة ويطوونها طيا أسطوانيا لتحفظ ، فإذا أرادوا قراءتها نشروا مطويها ، ومنه ما في حديث الرجم فنشروا التوراة .
وليس مراد بكتاب مسطور القرآن ؛ لأن القرآن لم يكن يومئذ مكتوبا سطورا ولا هو مكتوبا في رق .
ومناسبة القسم بالتوراة أنها الكتاب الموجود الذي فيه ذكر الجزاء وإبطال الشرك وللإشارة إلى أن القرآن الذي أنكروا أنه من عند الله ليس بدعا فنزلت قبله التوراة وذلك ؛ لأن المقسم عليه وقوع العذاب بهم وإنما هو جزاء على تكذيبهم القرآن ومن جاء به بدليل قوله بعد ذكر العذاب: فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون .
والقسم بالتوراة يقتضي أن التوراة يومئذ لم يكن فيها تبديل لما كتبه موسى : فإما أن يكون تأويل ذلك على قول ابن عباس في تفسير معنى قوله تعالى يحرفون الكلم عن مواضعه أنه تحريف بسوء فهم وليس تبديلا لألفاظ التوراة ، وإما أن يكون تأويله أن التحريف وقع بعد نزول هذه السورة حين ظهرت الدعوة المحمدية وجبهت اليهود دلالة مواضع من التوراة على صفات النبيء محمد - صلى الله عليه وسلم - ، أو يكون تأويله بأن القسم بما فيه من الوحي الصحيح .

والبيت المعمور : عن الحسن أنه الكعبة وهذا الأنسب بعطفه على الطور،  ووصفه ب المعمور؛ لأنه لا يخلو من طائف به، وعمران الكعبة هو عمرانها بالطائفين قال تعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر الآية .
ومناسبة القسم سبق القسم بكتاب التوراة فعقب ذلك بالقسم بمواطن نزول القرآن فإن ما نزل به من القرآن أنزل بمكة وما حولها مثل جبل حراء . وكان نزوله شريعة ناسخة لشريعة التوراة ، على أن الوحي كان ينزل حول الكعبة . وفي حديث الإسراء بينا أنا نائم عند المسجد الحرام إذ جاءني الملكان إلخ ، فيكون توسيط القسم بالكعبة في أثناء ما قسم به من شئون شريعة موسى عليه السلام إدماجا .
وفي الطبري : أن عليا سئل : ما البيت المعمور ؟ فقال : بيت في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا ، يقال له : الضراح . بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء وحاء مهملة ، وأن مجاهدا والضحاك وابن زيد قالوا مثل ذلك . وعن قتادة أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال : هل تدرون ما البيت المعمور ؟ قال : فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة إلى آخر الخبر . وثمة أخبار كثيرة متفاوتة في أن في السماء موضعا يقال له : البيت المعمور ، لكن الروايات في كونه المراد من هذه الآية ليست صريحة .

وأما السقف المرفوع : ففسروه بالسماء لقوله تعالى وجعلنا السماء سقفا محفوظا وقوله والسماء رفعها فالرفع حقيقي ومناسبة القسم بها أنها مصدر الوحي كله التوراة والقرآن . وتسمية السماء على طريقة التشبيه البليغ .

والبحر: يجوز أن يراد به البحر المحيط بالكرة الأرضية . وعندي : أن المراد بحر القلزم ، وهو البحر الأحمر ومناسبة القسم به أنه أهلك به فرعون وقومه حين دخله موسى وبنو إسرائيل فلحق بهم فرعون .

والمسجور: قيل المملوء ، مشتقا من السجر وهو الملء والإمداد . فهو صفة كاشفة قصد منها التذكير بحال خلق الله إياه مملوءا ماء دون أن تملأه أودية أو سيول ، أو هي للاحتراز عن إرادة الوادي إذ الوادي ينقص فلا يبقى على ملئه ، وذلك دال على عظم القدرة . والظاهر عندي : أن وصفه بالمسجور للإيماء إلى  الحالة التي كان بها هلاك فرعون بعد أن فرق الله البحر لموسى وبني إسرائيل ثم أسجره ، أي : أفاضه على فرعون وملئه .
وعذاب الله المقسم على وقوعه وهو عذاب الآخرة لقوله يوم تمور السماء مورا إلى قوله  تكذبون. وأما عذاب المكذبين في الدنيا فسيجيء في قوله تعالى وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك . وتحقيق وقوع عذاب الله يوم القيامة إثبات للبعث بطريقة الكناية القريبة ، وتهديد للمشركين بطريقة الكناية التعريضية .
والواوات التي في هذه الآية واوات قسم ؛ لأن شأن القسم أن يعاد ويكرر ، ولذلك كثيرا ما يعيدون المقسم به نحو قول النابغة : والله والله لنعم الفتى وإنما يعطفون بالفاء إذا أرادوا صفات المقسم به .
ويجوز صرف الواو الأولى للقسم واللاتي بعدها عاطفات على القسم ، والمعطوف على القسم قسم .

والوقوع : أصله النزول من علو واستعمل مجازا للتحقق وشاع ذلك ، فالمعنى : أن عذاب ربك لمتحقق .
وحذف متعلق  لواقع ، وتقديره : على المكذبين ، أو بالمكذبين ، كما دل عليه قوله بعد فويل يومئذ للمكذبين ، أي : المكذبين بك بقرينة إضافة رب إلى ضمير المخاطب المشعر بأنه معذبهم ؛ لأنه ربك وهم كذبوك فقد كذبوا رسالة الرب . وتضمن قوله إن عذاب ربك لواقع إثبات البعث بعد كون الكلام وعيدا لهم على إنكارهم أن يكونوا معذبين .
وأتبع قوله " لواقع بقوله ما له من دافع ، وهو خبر ثان عن عذاب أو حال منه ، أي : ما للعذاب دافع يدفعه عنهم .

والدفع : إبعاد الشيء عن شيء باليد وأطلق هنا على الوقاية مجازا بعلاقة [ ص: 41 ] الإطلاق ألا يقيهم من عذاب الله أحد بشفاعة أو معارضة .
وزيدت " من " في النفي لتحقيق عموم النفي وشموله ، أي : نفي جنس الدافع .

روى أحمد بن حنبل عن جبير بن مطعم قال : قدمت المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأكلمه في أسارى بدر فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه صلاة المغرب فسمعته يقرأ ( والطور ) إلى إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع فكأنما صدع قلبي ، وفي رواية : فأسلمت خوفا من نزول العذاب وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب .

ساهم في نشر الموضوع للفائدة:

شارك الموضوع

تعليقات
0 تعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق